نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
هل تؤثّر التطورات في سوريا على انتخابات الرئاسة في لبنان؟!, اليوم الخميس 12 ديسمبر 2024 03:21 صباحاً
لا يزال سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا يتصدّر الاهتمامات الإقليمية والدولية، في ظلّ الضبابيّة التي خلّفها في المشهد، الذي يبدو مفتوحًا على الكثير من السيناريوهات، التي تتفاوت حدّ التناقض، على وقع الدخول الإسرائيلي "المريب" على خطّها، بذريعة "حماية الحدود"، وهي سيناريوهات سيكون لها تأثيراتها على المنطقة برمّتها، فكيف بالحريّ على الدول المجاورة لسوريا، ولبنان على رأسها بطبيعة الحال.
ولعلّ الترقّب يختصر الواقع في لبنان الذي تفاعل بشكل واسع مع الحدث السوري، لدرجة يخال كثيرون أنّ سقوط نظام الأسد يعني اللبنانيين أكثر من السوريين، أو بالقدر نفسه بالحدّ الأدنى، ربما بالنظر إلى العلاقة التاريخية "الشائكة" بين الجانبين، والجروح التي حفرت عميقًا في الذاكرة اللبنانية، وهو ما ترجم بالمواقف عالية السقف التي صدرت في اليومين الماضيين، والتي وصلت لحدّ الحديث عن "تحرّر" لبنان، بسقوط نظام الأسد ووصايته.
أمام ذلك، تُطرَح الكثير من علامات الاستفهام عن تبعات ما جرى في سوريا على الواقع في لبنان، ليس فقط على مستوى حسم الملفات العالقة بين البلدين، كأزمة النزوح التي يعتقد كثيرون أنّها يجب أن تنتهي، أو قضية المفقودين والمغيّبين قسرًا، ولكن أيضًا على المستوى السياسي، في ظلّ ترقّب لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية المقرّرة في التاسع من كانون الثاني المقبل، فهل يكون سقوط النظام السوري "مفصليًا" على خطّها، وكيف ذلك؟!.
في المبدأ، يقول العارفون إنّ لا علاقة مباشرة بين سقوط النظام في سوريا، واستحقاق الرئاسة في لبنان، فالنفوذ الذي تمتّع به نظام الأسد على مدى عقود، خصوصًا في مرحلة ما كان يسمّى "وصاية"، أو ما يصفه الكثيرون بـ"الاحتلال"، تراجع كثيرًا في السنوات الأخيرة، خصوصًا بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان في العام 2005، ولو أنّ هناك من يعتقد بأنّ هذه الوصاية استُبدِلت بوصايات ترتبط بها عضويًا، بصورة أو بأخرى.
بهذا المعنى، يستبعد العارفون أن يكون لسقوط النظام في سوريا تأثير مباشر على الانتخابات الرئاسية، فلو كان للنظام دور فعليّ على خطّ الاستحقاق، كما كان في السابق، لما بقي الفراغ الرئاسي مهيمنًا على قصر بعبدا لأكثر من عامين، عجز فيهما الفريقان المتنازعان على إيصال مرشحيهما إلى سدّة الرئاسة، في وقت يدرك القاصي والداني أن النظام كان قادرًا في أيام "عزّه" على فرض المرشح الذي يريده، من دون أيّ نقاش.
على النقيض من ذلك، يمكن القول إنّ دور النظام في سوريا "انعدم" في الأشهر والسنوات الأخيرة إلى حدّ بعيد، بعدما أصبح "متهالكًا"، إن جاز التعبير، على وقع الأحداث الداخلية المتراكمة منذ الثورة الشعبية في العام 2011، التي نقلته من ضفّة إلى أخرى، رغم "المكابرة" التي طبعت السنوات الأولى ما بعد الاحتجاجات التي تحوّلت إلى حرب داخلية دموية، وصولاً إلى "النشوة" بعد استعادته المبادرة نسبيًا، خصوصًا مع موجات "التطبيع" التي حصلت.
وإذا كانت "الوصاية" التي تمتّع بها النظام، قبل أن يخسرها، من دون أن يستفيد من الفرصة "الثمينة" التي مُنِحت له إقليميًا ودوليًا، قد انتقلت إلى "وصايات"، خصوصًا من جانب إيران و"حزب الله" كما يقول خصوم النظام، فإنّ الثابت أنّ شيئًا ما تغيّر في الأشهر الأخيرة، بدليل عجز "الحزب" مثلاً عن إيصال مرشحه المُعلَن، أي رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، إلى الرئاسة، على الرغم من كلّ المحاولات والمساعي التي بذلها في هذا الإطار.
لا يعني ما تقدّم أنّ سقوط النظام في سوريا يبقى بلا تأثير بالمُطلَق على الاستحقاق الرئاسي، إذ ثمّة من يعتقد أنّ تأثيراته المعنوية كبيرة، خصوصًا في توقيته، وقد جاء بعد حرب إسرائيلية مدمّرة على لبنان، وقاسية على "حزب الله" تحديدًا، وقد غيّرت الكثير من المعادلات، علمًا أنّ هناك من يعتقد أنّ النتيجة المباشرة للحدثين، قد تكون تراجع حظوظ فرنجية، خلافًا لرهانات سابقة، كانت تعتقد أنّ الميزان سيميل لصالحه بشكل أو بآخر بعد الحرب.
ولعلّ هذا الأمر يتجلّى بصورة أو بأخرى، بالمرونة التي يبديها الفريق الداعم لفرنجية، وفي مقدّمه "حزب الله"، منذ انتهاء الحرب، إزاء التعامل مع الاستحقاق الرئاسي، حتى لو لم يعلن تخلّيه رسميًا وصراحةً عن فرنجية، إلا أنّه في الوقت نفسه تخلّى، أقلّه في الظاهر وحتى الآن، عن الكثير من التكتيكات التي كان يعتمدها سابقًا، ومن بينها استخدام "الفيتو" على كل المرشحين، فضلاً عن التهديد بتطيير النصاب، بوصفه "حقًا ديمقراطيًا مشروعًا".
على ضفة المعارضة، ثمّة من يقول إنّ شيئًا ما تغيّر بعد الحرب الإسرائيلية، وتعزّز بعد سقوط النظام، وهو ما يتجلّى في السقف المرتفع الذي يعتمده قادتها في الأيام الأخيرة، والتي توحي بـ"التفوق" على معسكر "حزب الله"، ولا سيما أنّ هؤلاء يتقاطعون تقريبًا على فكرة أنّ "وصاية حزب الله انتهت"، وهو ما ورد حرفيًا مثلاً في كلمة ألقاها رئيس حزب "الكتائب" سامي الجميل هذا الأسبوع، وقد اختصرت مقاربة شريحة واسعة من المعارضة للاستحقاق.
إلا أنّ ذلك لا يعني، أقلّه حتى الآن، أنّ المعارضة ذاهبة لمقاربة الاستحقاق الرئاسي من زاوية "الغالب والمغلوب"، بل إنّ أوساطها تؤكد أنّ الأولوية الآن تبقى للتفاهم، باعتبار أنّ الخيار الأمثل والأفضل في ظلّ المتغيّرات الدراماتيكية الحاصلة حاليًا يبقى التوافق، إلا أنّها تشدّد في الوقت نفسه على أنّ هذا التوافق يبقى مشروطًا بسقوف واضحة، منها تخلّي الفريق الآخر عن تصلّبه، ولكن أيضًا أنّ أيّ مرشح مدعوم من قبلها يجب أن يكون سياديًا، لا رماديًا.
تتفاوت الآراء ووجهات النظر إذًا بالحديث عن تأثيرات سقوط النظام في سوريا على استحقاق الرئاسة في لبنان. ثمّة من يشدّد على أنّ التأثيرات "حتميّة"، لجهة "إضعاف" موقف الفريق المحسوب على "محور الممانعة"، وثمّة من يرى أنّ مثل هذا الرهان "خائب"، من باب "فصل الجبهات"، كما أنّ الأولوية تبقى للتوافق والتفاهم. وبين المنطقين، تبقى جلسة التاسع من كانون الثاني محور أخذ وردّ، بغياب مؤشّرات "الفرج"، رغم "الجدّية" غير المسبوقة المحيطة بها!.
0 تعليق