نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أيام قرطاج المسرحية 2024: العرض العراقي "بيت أبو عبد الله" رحلة إلى أعماق المأساة الإنسانية, اليوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024 02:46 صباحاً
نشر في الشروق يوم 27 - 11 - 2024
في "بيت أبو عبد الله" تتلاشى جدران المنزل ليحل محلها الوطن بكل أزماته ومعاناته. وليس هذا المنزل إلا مرآة مصغرة عن المجتمع الذي يتعرض للتآكل والانهيار. تعيش الأسرة التي تمثلها الشخصيات في عزلة داخل جدران هذه البناية المهددة وتبدأ معاناتهم الإنسانية تتكشف تدريجيا في صمت مهيب.
و"بيت أبو عبد الله" هو عنوان مسرحية من دولة العراق تمّ عرضها مساء اليوم الثلاثاء بقاعة سينما مسرح الريو بتونس العاصمة ضمن المسابقة الرسمية للدورة 25 من أيام قرطاج المسرحية (23 – 30 نوفمبر 2024)، وهي من إنتاج الفرقة الوطنية للتمثيل وعن نص وإخراج وسينوغرافيا لأنس عبد الصمد الذي وظّف الجسد كأداة رئيسية للتعبير عن المأساة الإنسانية، بعيدا عن الحوار الكلاسيكي، فكان بناء العرض قائما على لغة الجسد.
يُلفت انتباه المتفرج في "بيت أبو عبد الله" على مدى العرض الذي استمرّ لنحو 60 دقيقة غياب الحوار بين الشخصيات التي لم تنبس بكلمة واحدة. وقد ترجم غياب الحوار حالة من انقطاع التواصل والتفاهم بين الأفراد. لكن في مقابل غياب اللغة اللفظية، تتحدث الأجساد وتتحرك الإيماءات والحوارات غير المباشرة، فجاءت الرسالة المتعلقة بفقدان القدرة على التعبير أكثر صدقا.
وأما هذا الصمت المشبع بالمعاناة فهو يكشف عن صراع داخلي مستمر بين هذه الشخصيات التي لا تستطيع إلا أن تتشبث بالحياة رغم المأساة المستمرة التي تعيشها. وتمثل الشخصيات الثلاثة التي تسقط جثثا هامدة بعد إطلاق الرصاص تجسيدا للصراع الوجودي والروحي الذي يعيشه الأفراد في ظل القهر ولكنهم ينهضون مجددا بفعل جديد وهو ما يترجم تمسكهم بالحياة على الرغم من حدة المأساة.
ويبدو هذا التوجه الذي اعتمده المخرج من حيث الخصائص الفنية المميزة للمسرحية القائمة على لغة الجسد مقصودا وبقوة، فكان الصوم عن الكلام السمة التي خيّمت على العرض لاعتقاد المخرج أن الصمت أبلغ من الكلام أحيانا. وحتى يتفادى أنس عبد الصمد سقوط إيقاع العرض في الرتابة وتدحرج نسق الأحداث، كانت أجساد الممثلين تنبض بالحركة والأداء لتترجم صراعا داخليا مستمرا يعبّر عن التوترات التي يعيشها الإنسان في ظل القيود المفروضة عليه.
وجاء العرض مشبعا بالرموز والدلالات لاسيما مشاهد الفئران التي كانت بمثابة استعارة للحالة الاجتماعية والسياسية التي يعيشها أفراد الأسرة. وهذه الفئران التي كانت تحاصر البيت منذ البداية، مثّلت التسلل التدريجي للفوضى والاضطهاد إلى حياة هؤلاء الأشخاص وانتشار الفساد في الدولة والمجتمع ما أدّى إلى تفكك الدولة وخرابها.
الأخبار
.
0 تعليق