تصعيد في الذروة (لا) ينسف المفاوضات... هل تبقى التسوية قائمة؟!

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
تصعيد في الذروة (لا) ينسف المفاوضات... هل تبقى التسوية قائمة؟!, اليوم الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 08:29 صباحاً

على امتداد الأسبوع الماضي، كان "التفاؤل" سيّد الموقف في لبنان، وسط التسريبات عن قرب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، عزّزتها زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكستين إلى لبنان، التي وُصِفت بـ"الأكثر جدّية" على الإطلاق في سجلّ جولاته المكّوكية بين بيروت وتل أبيب، ولو أنّه بقي تفاؤلاً "حَذِرًا"، استنادًا إلى التجارب السابقة، ولا سيما في غزة، حيث كانت إسرائيل تعطّل كلّ المبادرات والمساعي، متى وصلت إلى "نقطة الحسم".

لكنّ عطلة نهاية الأسبوع لم تعكس هذا "التفاؤل" فعليًا في الميدان، على وقع التصعيد الذي بلغ "الذروة" إن صحّ التعبير، بدءًا من كثافة عمليات الاستهداف الإسرائيلية لمناطق الجنوب والبقاع والضاحية، ولكن أيضًا لعمق العاصمة بيروت، خصوصًا مع المجزرة المروّعة التي وقعت في منطقة البسطة المكتظّة فجر السبت، حيث سُجّلت ضربة عنيفة جدًا قيل في البدء إنها "دقيقة"، ليتبيّن لاحقًا أنّ جل ضحاياها كانوا من المدنيين ممّن كانوا نائمين في بيوتهم.

وسرعان ما قابل "حزب الله" التصعيد الإسرائيلي بتصعيد مضاد، مع تسجيل رقم "قياسي" من العمليات والرشقات الصاروخية يوم الأحد، وصل بعضها إلى وسط تل أبيب، تطبيقًا لمعادلة "تل أبيب مقابل بيروت"، الأمر الذي أدّى إلى تسجيل عدد من الإصابات، فضلاً عن احتماء ملايين الإسرائيليين بالملاجئ، لتردّ إسرائيل مجدّدًا على الرد باستهداف مكثّف للضاحية الجنوبية لبيروت وغيرها من المناطق، من دون أيّ توقف.

وإذا كان التصعيد الإسرائيلي يعكس في مكان ما، مبدأ "التفاوض بالنار" الذي أصرّت عليه تل أبيب، فيما يعكس تصعيد "حزب الله" المضاد مبدأ "إسرائيل تحت النار" الذي كرّسه أمينه العام الشيخ نعيم قاسم في خطابه الأخير، فإنّ ما انطوى عليه أعاد فتح السؤال "الإشكالي" حول واقع المفاوضات على مصراعيه، فهل هو فعلاً "منفصل" عن المفاوضات القائمة، وبالتالي إلى أيّ مدى يمكن القول إنّه يبقي مكانًا للتسوية ولو بدا أنّها "معلَّقة" حتى إشعار آخر؟!.

في المبدأ، يقول العارفون إنّه لا يمكن التقليل من شأن التصعيد الإسرائيلي الذي بلغ مستوى "قياسيًا" في عطلة نهاية الأسبوع، فضربة البسطة مثلاً لا يمكن أن تكون مجرّد تفصيل في المشهد، وقد ذكّرت كثيرين بالشكل بعمليات الاغتيال الكبرى التي نفذتها إسرائيل ضدّ كبار قادة "حزب الله"، فضلاً عن كونها أثارت "الرعب" بين الناس، ومثلها جاء استهداف الجيش اللبناني بشكل مباشر في الجنوب، ليطرح علامات استفهام عمّا تريده إسرائيل فعليًا من التسوية.

بالنسبة إلى ضربة البسطة، فإنّ قوتها التي كانت كفيلة بإيقاظ كلّ سكان العاصمة والمناطق المجاورة، وحتى البعيدة، عند الساعة الرابعة فجرًا، وقد اهتزّت مبانيهم، واعتقدوا أنّ الضربة بالقرب منهم، ولّدت انطباعًا بأنّ إسرائيل اغتالت أحد كبار قادة الحزب، حتى إنّ هناك من قارن بين ظروف هذه الضربة، واغتيال الأمين العام السابق السيد حسن نصر الله، الذي حصل أيضًا على وقع التسريبات عن تسوية، وقد تبيّن حينها أنّها كانت مجرد "خديعة".

لكنّ المفاجأة بعد ذلك كانت أنّ الضربة بقيت "مجهولة الهدف"، حتى إنّ الإعلام الإسرائيلي بدا "مرتبكًا" على خلاف العادة في تحديد هوية الشخصية المُستهدَفة، ليدخل أكثر من اسم على "بازار" التسمية، من طلال حمية، إلى من هو "أهم من طلال حمية"، وصولاً إلى محمد حيدر، قبل أن يدحض "حزب الله" كل هذه المزاعم، ويقول إنّ أيّ قيادي من الحزب لم يكن موجودًا في المنطقة المستهدَفة، ما أثار الكثير من الجدل حول أهداف الضربة الحقيقية.

وإذا كانت الفاتورة البشرية التي نتجت عن هذه الضربة الغادرة "ثقيلة" بالنظر إلى العدد الهائل للضحايا، والذي يبقى مرشحًا للارتفاع، فإنّ العارفين يعتبرون أنّ هذه الضربة بدت "دعسة ناقصة" في سجلّ إسرائيل، وإن كان القتل بصفة عامة ولو كان عشوائيًا من أهدافها، فهي ثبّتت نظرية "حزب الله" بأنه استعاد عافيته وحصّن نفسه، وبالتالي أنّ إسرائيل لم تعد تجد "الأهداف العسكرية" بسهولة، فتلجأ إلى "اختراعها"، لتبرير مجازرها بصورة أو بأخرى.

بالمجمل، يقول العارفون إنّ هذه المجزرة معطوفة على الاستهدافات المكثفة للضاحية الجنوبية، فضلاً عن مناطق الجنوب والبقاع، قد تعبّر عن نوع من "الضغط" على المفاوض اللبناني، في سبيل فرض بعض الشروط عليه، الأمر الذي عزّزه أيضًا الاستهداف المباشر للجيش اللبناني، فضلاً عن التصريحات السياسية الداعية إلى ضرب منشآت الدولة اللبنانية وأصولها، بذريعة أن الحكومة "تطلق يد حزب الله"، فهل يعني ذلك نسف التسوية بصيغتها الأخيرة؟.

حتى الآن، لا يوجد ما يثبّت هذا المعطى بحسب ما يقول العارفون، الذين يلفتون إلى أنّ التسريبات تجمع أنّ الاتصالات لا تزال قائمة خلف الكواليس، بمعزل عن كلّ ما يشهده الميدان من تطورات، بل إنّ المبعوث الأميركي آموس هوكستين أبلغ كلّ من اتصل بهم في الأيام الأخيرة، وفقًا للمعلومات المتداولة، بأنّ الاتفاق بات أقرب من أيّ وقت مضى، ولم يبق لإعلانه سوى معالجة بعض التفاصيل "الصغيرة"، والتي قد تكون "شكليّة".

ويستبعد العارفون أن يؤدي تصعيد "حزب الله" في اليومين الأخيرين إلى نسف هذه المفاوضات، فهو جاء في معرض "ردّ الفعل" ليس إلا، ومن باب "ملاقاة" الجانب الإسرائيلي على المبدأ الذي أصرّ عليه، أي "التفاوض بالنار"، ولو أنّ هناك من يخشى أن يؤدي تصعيد الحزب إلى "إحراج" الإسرائيلي في مكانٍ ما، خصوصًا في ظلّ اعتقاد كثيرين بأنّ ما يؤخّره هو البحث عن "الصيغة الأنسب" لإقناع الرأي العام الإسرائيلي بجدواه.

وهنا، ثمّة وجهة نظر يتبنّاها الكثير من المطّلعين، تقوم على أنّ التصعيد الإسرائيلي الأخير لا ينسف المفاوضات، بل هو على العكس من ذلك يعزّزها ويبني عليها، باعتبار أنّ كثافة النيران والاستهدافات تؤشّر إلى رغبة إسرائيلية بتعميم الدمار والخراب قبل وقف إطلاق النار، بما يمكن أن يسهم ليس فقط في رفع سقفها التفاوضي، وإنما أيضًا في "تلميع صورتها"، بمعنى أنّها "أنجزت المهمة"، وبالتالي لم تقدّم أيّ "هدايا" لهذا الفريق أو ذاك.

يقول البعض إنّ إسرائيل دأبت على استغلال الأيام الأخيرة من حروبها لمحاولة تحقيق أقصى قدر ممكن من الخسائر في صفوف الخصم، حتى إنّها عادة ما تؤخّر موعد دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، من أجل ذلك. وإذا كانت حرب تموز 2006 خير شاهد على ذلك، فإنّ النهج التصعيدي الذي تتبعه يثير الكثير من المخاوف، فهو يمكن أن يكون فعلاً "بداية النهاية"، لكنه يمكن أن يفتح الباب بأيّ خطوة غير محسوبة، لتوسيع المعارك بصورة أو بأخرى...

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق