نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أيام قرطاج المسرحية 2024: المسرحية السينغالية "طبيب بعد الموت"...تأملات في المعاناة الإنسانية اجتماعيا وسياسيا في إفريقيا, اليوم الاثنين 25 نوفمبر 2024 12:10 مساءً
نشر في باب نات يوم 25 - 11 - 2024
(وات/الأسعد محمودي) - تابع جمهور الدورة 25 لأيام قرطاج المسرحية، عرضا من دولة السينغال حمل عنوان "طبيب بعد الموت" من إخراج إبراهيما سار، وهو عرض يتنزل ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان وتم تقديمه مساء الأحد في قاعة سينما مسرح الريو.
وتحمل المسرحية طابعا فنيا عميقا، حيث دمجت بين واقع الحياة اليومية وتعقيداتها وبين قضايا اجتماعية وسياسية محورية في عرض دام 60 دقيقة. ويروي هذا العمل قصة طبيب مسنّ يعاني من تدهور صحته العقلية والجسدية بعد اكتشافه لفيروس مدمّر فرض عليه السجن خمس سنوات من العزلة والاضطهاد. هذا الطبيب الذي كان يشغل مختبرا سريا يجد نفسه في مواجهة مع ثلاثة لصوص اقتحموا مكانه بحثا عن علاج لمرض ما، لكن عندما يكتشفهم، يتحايلون على الموقف متظاهرين بأنهم مجانين.
...
تأخذ مسرحية "طبيب بعد الموت" شكلا سرديا مقسّما إلى فصلين يتفرع كل منهما إلى أربعة مشاهد. وقد ارتكز العرض بشكل كبير على توظيف العناصر المسرحية الأخرى مثل الإضاءة والسينوغرافيا وحركات الأجساد، إلى جانب الحوار بين الشخصيات، فجاءت هذه العناصر منسجمة بقوة مع الإيقاع الدرامي للعرض لتسلّط الضوء على التحديات التي يواجهها القطاع الصحي في افريقيا خاصة في ظل غياب التدخل الفوري من المسؤولين وقادة دول هذه القارة.
وتتناول المسرحية من خلال شخصية الطبيب المسن موضوعا في غاية الأهمية يرتبط أساسا بالمماطلة في التعامل مع الأزمات. ففي سياق القضايا الاجتماعية والسياسية في إفريقيا، يشير العرض إلى تأخر ردود الأفعال الحكومية تجاه الأزمات الصحية أو الاجتماعية حتى تفاقم الأمور وتصل إلى مرحلة الانفجار. وهذا الأمر يؤدي إلى واقع مؤلم في العديد من الدول الإفريقية حيث يغيب التدخل المبكر في الأوقات الحرجة ما يؤدي إلى مزيد من المعاناة ويتسبب في هدر الأرواح.
ويطرح المخرج "إبراهيما سار" مسألة أساسية تتعلق بتوقيت اتخاذ القرارات السياسية. ويحاول أن يوجه رسالة ضمنية للقادة في بلاده وفي إفريقيا بشكل عام ليحسنوا توقيت تدخلاتهم عند الأزمات. ويرى أن الأمور ينبغي أن تعالج قبل أن تتحول إلى فوضى تتسبب في ضحايا لا مفر من وقوعهم.
وليست مسرحية "طبيب بعد الموت" صورة للوضع السياسي والاجتماعي في القارة السمراء فحسب، وإنما تحمل أيضا في أبعادها دلالات فلسفية في مفهوم الحياة والموت وخاصة في سياق المعاناة البشرية. ففي بداية العرض ينطلق المخرج من تساؤل عميق حول "الموت" الذي يشكل المحور الأساسي لرحلة الطبيب في محنته الشخصية والمهنية، إذ يبدأ العرض وينتهي بآيات قرآنية من سورة "الرحمان" التي أضفت على العرض بُعدا روحانيا يعكس حالة الشخصية المحورية في المسرحية والتي تخوض معركة يائسة مع ماضيها ومع الحياة التي تسحبها منها الظروف القاسية. كما أن اختيار القرآن كبداية ونهاية للمسرحية جاء ليبرز حالة اليأس التي يعيشها الطبيب من شدة المعاناة وإشارة إلى احتمائه بالإيمان ولجوئه إلى القرآن لعله يكون هو الشافي، ويحقق الطمأنينة والسكينة. كما أن تصوير الموت كبداية ونهاية في السياق الديني يتماشى مع مضمون العرض الذي يقدم نظرة فلسفية حول الموت والحياة كجزء من دورة مستمرة.
أما الأحذية التي أظهرها الطبيب مع نهاية العرض، فهي ذات دلالة قوية حيث يلتقط ما تبقى من ذكريات الماضي للمريض الذي فقد كل شيء بما في ذلك مختبره الذي دمرته الدولة. لكن هذه الأحذية تحمل ترياقا يمكن أن ينقذ من جاؤوا يطلبون العلاج، وهو ما يفتح المجال للتفكير في كيفية ارتباط الماضي بالحاضر وفي أن الإنسان لا يمكنه الهروب من ماضيه مهما حاول. لذلك تعتبر مسرحية "طبيب بعد الموت" دعوة للوعي الاجتماعي والسياسي تحث على التحرك الفوري قبل فوات الأوان...فلا طبيب بعد الموت. كما يدعو هذا العمل الجمهور للتفكير في مصيره فرادى وجماعات ويحثهم على رؤية الأشياء من زاوايا مختلفة، حتى يكون العلاج في الإبان بدل الاستنجاد بطبيب بعد الموت.
تابعونا على ڤوڤل للأخبار
.
0 تعليق