تصعيد إسرائيلي واسع وسط المفاوضات... رسالة سلبية أم ضغط بالنار؟!

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
تصعيد إسرائيلي واسع وسط المفاوضات... رسالة سلبية أم ضغط بالنار؟!, اليوم الثلاثاء 19 نوفمبر 2024 05:54 صباحاً

لم تكد الأجواء الإيجابية التي أحاطت بمفاوضات وقف إطلاق النار تنتشر، ولو بحذر، مع تسلّم لبنان ما قيل إنّها مسودّة أميركية للحلّ، والردّ الإيجابي عليها، معطوفًا على طلب توضيح بعض النقاط والبنود، حتى أطلقت إسرائيل يوم الأحد ما يمكن اعتباره فصلاً جديدًا من الحرب على لبنان، باستهداف سلسلة من المناطق التي لم يشملها العدوان سابقًا، وبإعادة العمل بسياسة الاغتيالات، لكن في عمق العاصمة اللبنانية بيروت هذه المرّة.

فمن توسيع رقعة الضربات الإسرائيلية التي باتت "شبه يومية" على الضاحية الجنوبية لبيروت، لتقترب من المناطق المحاذية لها، ولا سيما منطقة عين الرمانة، مرورًا باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في "حزب الله" الحاج محمد عفيف في غارة على منطقة رأس النبع في عمق العاصمة، وصولاً إلى ضرب منطقة مار الياس المكتظة بالسكان والنازحين مساء اليوم نفسه، بدت الرسائل الإسرائيلية في غاية السلبيّة، وكأنّها تؤشّر إلى تغيير جديد في قواعد اللعبة.

وقد جاء هذا التصعيد في قلب بيروت، بالتوازي مع استكمال إسرائيل ما أسمتها بـ"المرحلة الثانية" من عمليتها البرية في جنوب لبنان، وهي المرحلة التي أثارت الكثير من الجدل، وطرحت الكثير من علامات الاستفهام عن مغزاها ودلالاتها وسط المفاوضات، خصوصًا أنّ مسؤولين إسرائيليين كانوا قد أعلنوا قبل أيام فقط أنّ العملية البرية "استنفدت أهدافها"، ما أوحى كأنّ المرحلة الثانية "لزوم ما لا يلزم"، أو محاولة لإطالة أمد الحرب، ليس إلا.

وإذا كان هناك من يعتقد أنّ إسرائيل تسعى إلى تكريس مبدأ "التفاوض بالنار"، مسجّلة بذلك نقطة على "حزب الله" الذي كان يصرّ على أن يسبق وقف إطلاق النار أيّ نقاش وأيّ مفاوضات، فإنّ الأسئلة لا تنتهي حول الرسائل الفعلية لهذا التصعيد، فهل ينطوي على رسالة "سلبية" من واقع المفاوضات، خصوصًا أنّ هناك من يخشى تكرار سيناريوهات سابقة، أم أنّه ربما يشكّل محاولة "ضغط" على لبنان للقبول بالشروط الإسرائيلية بشكل أو بآخر؟!.

قد يكون اغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في "حزب الله" محمد عفيف، العنوان الأهمّ لفصل التصعيد الجديد، معطوفًا على استهداف العاصمة بيروت بعد أسابيع من "تحييدها"، إن جاز التعبير، ولو أنّها استُهدِفت في مرّات سابقة، خصوصًا أنّه حاء ليعيد الحديث عن الضربات الإسرائيلية "الدقيقة والنوعية"، وهي عبارات غابت عن المشهد على مدى الأسابيع الماضية، التي باتت الضربات الإسرائيلية معها "عشوائية" بأتمّ معنى الكلمة.

إلا أنّ المفارقة هنا، وفقًا للعارفين، هي أنّ الحديث عن عودة الاغتيالات لقادة "حزب الله" قد لا يكون دقيقًا مئة في المئة، باعتبار أنّ هذه الاغتيالات لم تتوقف بقرار إسرائيلي واضح، بل لاستنفاد بنك الأهداف، وعدم القدرة الفعلية على الوصول إلى القيادات العسكرية المتبقية، أو تلك التي عُيّنت بدل من تمّ اغتيالهم، وليس خافيًا على أحد أنّ الأمين العام الجديد للحزب الشيخ نعيم قاسم يتصدّر قائمة أهداف إسرائيل، التي لن تتأخّر في ضربه متى أدركت موقعه.

ويتحدث العارفون عن "مفارقة" من نوع آخر أيضًا، تكمن في اعتبار اغتيال محمد عفيف في خانة "الإنجاز النوعي" لإسرائيل، شأنه شأن اغتيال القادة العسكريين، أو حتى اغتيال الأمين العام السابق للحزب السيد حسن نصر الله، في حين أنّ الرجل لا علاقة له بالعسكر، وهو ينتمي إلى جهاز إعلامي بمهام محدّدة، ما يعني أنه يفترض أن يكون محميًا ومحصَّنًا وفقًا لقوانين الحروب، التي لا تتيح ضرب الإعلاميين أو الصحافيين إلى أي جهة انتموا.

ولعلّ ما عزّز من هذه المقاربة يتمثّل في الدور الذي لعبه عفيف في الفترة الأخيرة، خصوصًا بعد اغتيال السيد حسن نصر الله، حيث تولّى مهمّة "تحدّي الإسرائيلي واستفزازه"، وقد عمد إلى عقد مؤتمرات صحافية دورية، إضافة إلى جولات للصحافيين في قلب الضاحية الجنوبية، لمعاينة الدمار الناتج عن الغارات الإسرائيلية، وكلّ ذلك يعني أنّ عفيف لم يكن متواريًا أو مختبئًا، كما أنّ هاتفه كان دائمًا بجانبه، للرد على أسئلة الإعلاميين واستفساراتهم.

عمومًا، وبعيدًا عن "تقييم" جريمة اغتيال عفيف، بين من يعتبرها "إنجازًا نوعيًا" يضاف إلى ما حقّقته إسرائيل منذ بدء الحرب، بضربها الهيكلية القيادية لـ"حزب الله" كاملة، ومن يرى فيها "دليل عجز وإفلاس" إسرائيل، حيث لجأت إلى التغطية على إخفاقها عبر استهداف مسؤول إعلامي، فإنّ التصعيد الإسرائيلي الذي بلغ ذروته مع هذه الجريمة، يبدو حمّال أوجه عدّة، لا يُعرَف حتى الآن أيّها سيكون الطاغي في نهاية المطاف.

بهذا المعنى، ثمّة من يقرأ التصعيد الإسرائيلي على أنّه رسالة "مفرطة في السلبية"، استنادًا إلى تجربة غزة، حيث كانت إسرائيل تعطّل دائمًا الاتفاقات في اللحظة الأخيرة الحاسمة، حتى لو كانت هي صاحبة المقترح في الأساس، ولكن أيضًا استنادًا إلى سيناريو "الخديعة" الذي مارسته إسرائيل عشيّة اغتيال الأمين العام السابق لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله، يوم أقنعت، أو بالأحرى أوهمت العالم، برغبتها في التوصل إلى اتفاق، فيما كانت تخطط لجريمتها الكبرى.

وثمّة في المقابل، من يجد في التصعيد المتجدّد "ورقة ضغط" أخرى ترمي بها إسرائيل على طاولة المفاوضات، وقد فرضت "معادلتها" عليها، أي مبدأ التفاوض بالنار، ومن خلالها تقول إنّ عدم قبول "حزب الله" بشروطها لوقف إطلاق النار، يعني أنّها ستصبح مطلقة اليدين أكثر، وهي تقول أيضًا إنّ المرحلة الثانية من العملية البرية ستوازيها مرحلة ثانية من القصف، تصبح فيها العاصمة بيروت برمّتها في مرمى الاستهداف، وليس فقط ضاحيتها الجنوبية.

وبين هذا وذاك، ثمّة من يتحدّث عن بعد آخر قد يكون مخفيًا خلف التصعيد الإسرائيلي، ويقوم على أنّ إسرائيل أضحت مقتنعة بأنّ وقف إطلاق النار قد اقترب، وهي بالحدّ الأدنى تريده، لأنّ استمرار الحرب لم يعد ذي جدوى بالنسبة إليها، بل قد يفيد "حزب الله" من حيث لا تدري ولا تحتسب، ولذلك فهي تريد استغلال الوقت الفاصل عن نضوج الاتفاق، لإكمال انتقامها، وبالتالي ضرب كلّ ما تعتبره هدفًا مشروعًا، من دون أيّ حسابات أو ضوابط.

بين نسف المفاوضات من أساسها، ورفع السقف التفاوضي بما يلبّي تطلّعاتها، تتفاوت القراءات لأداء إسرائيل في الأيام الأخيرة، فهي تارةً تقول إنّ الحرب استنفدت أهدافها، وبالتالي فقد آن أوان إنهائها قبل انقلاب الصورة، وطورًا تطلق مراحل جديدة من الحرب، وتطوّر بنك أهدافها، ولو بدت في مكان ما كمن يسعى لإطالة أمد الحرب كيفما كان، فأيّ الوجهتين ستطغى في النهاية، وهل يكون التصعيد في بيروت "بداية النهاية"؟!.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق